تفسير النساء ( 19 )
108 – (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ) أي يكتمون أعمالهم عن الناس (وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ) لأنّه يراهم مهما اختلفوا (وَهُوَ مَعَهُمْ) لأنّه يراهم ويسمعهم وملائكته يكتبون أعمالهم (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) أي يدبّرون بالليل قولاً لا يرضاه الله لأنّ قولهم مكر وخديعة ، فخدعوا النبيّ بقولهم حتّى صار يجادل عنهم (وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) أي حفيظاً لأعمالهم لا يفوته شيءٌ منها .
109 – (هَا) كلمة تستعمل للعتاب والتنبيه (أَنتُمْ) الذابّين عن السارق وجماعته وهم أسيد بن عروة والرجال الذين جاؤوا معه إلى النبيّ (هَـؤُلاء) الذين خنتم ضمائركم وكذبتم على النبيّ بِشهادتكم وتزكيتكم لبني أبيرق و(جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ) أي خاصمتم ودافعتم (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي لا مجادل عنهم ولا شاهد على براءتهم في ذلك اليوم (أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) أي من يحفظهم ويتولّى معونتهم ويدافع عنهم في ذلك اليوم ؟
110 – ثمّ بيّن تعالى طريق التلافي والتوبة مِمّا سبق منهم من المعصية فقال (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا) أي ذنباً صغيراً (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) بارتكاب معصية إذا وقعت سهواً منه أو جهالةً (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ) ويتوب إليه فلا يعود بعدها إلى معصية (يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا) لذنبه (رَّحِيمًا) به .
111 – (وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ) أي يجلب العار والإهانة لنفسه وإن كان الله قد غفر له ولكنّ العار الذي أصابه بسبب تلك المعصية لا يفارقه والجريمة التي ارتكبها لا يسلم من عواقبها إن عاجلاً أو آجلاً (وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا) بعواقب الأمور (حَكِيمًا) ولذلك نهاكم عن المعاصي وارتكاب الجرائم شفقةً عليكم ورحمةً بكم .
112 – ثمّ بيّن سبحانه أنّ من ارتكب إثْماً ثمّ قذف بِه غيره كيف يعظم عقابه فقال (وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً) أي ذنباً خطأً يعني سهواً منه دون قصد (أَوْ إِثْمًا) أي يذنب ذنباً متعمّداً (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ) شخصاً (بَرِيئًا) من ذلك الإثم فيقول أنا لم أرتكب هذه الجريمة بل ارتكبها فلان ، يعني ينسب ذنبه إلى رجل بريء كما نسبوا السرقة إلى لبيد بن سهل وهو بريء منها (فَقَدِ احْتَمَلَ) أي تحمّل (بُهْتَانًا) أي ذنباً عظيماً بسبب كذبه وافترائه ، فالبهتان معناه الافتراء (وَإِثْمًا مُّبِينًا) أي ذنباً ظاهراً بيّناً .
113 – (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ) يا محمّد (وَرَحْمَتُهُ) بإخبارك بالمغيّبات (لَهَمَّت) أي لقصدت وأضمرت (طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ) أي جماعة من قوم أبي طعمة (أَن يُضِلُّوكَ) عن القضاء بالحقّ بتلبيسهم عليك (وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ) لأنّ وبال ذلك يعود عليهم (وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ) لأنّ الله يرعاك ويتولّى أمرك (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) أي القرآن (وَالْحِكْمَةَ) أي الموعظة (وَعَلَّمَكَ) من العلم (مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) من قبل نزول القرآن (وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) بأن جعلك خاتم النبيّين .
114 – (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ) أي مشورتهم لك وكلامهم معك لأنّ أكثر نجواهم يكون في طلب الدنيا وأشياء تافهة لا قيمة لَها (إِلاَّ) نجوى (مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) للفقراء فذلك في نجواه خير (أَوْ) نجوى من أمر بِ (مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) فذلك في نجواه خير أيضاً (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) المعروف أو الإصلاح أو الصدقة (ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ) وليس لغاية أخرى (فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ) في الآخرة (أَجْرًا عَظِيمًا) دائماً لا ينقطع .