تفسير النساء ( 22 )
144 – كان بعض المسلمين يحبّون أقرباءهم من الكافرين ويوالونهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء) أي أحبّاء (مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أي بدل المؤمنين فالأحرى بكم أن توالوا المؤمنين وتدافعوا عنهم (أَتُرِيدُونَ) بفعلكم هذا (أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا) أي حجّة ظاهرة ، ومعناه أتريدون أن تجعلوا لله سبيلاً إلى عذابكم ، ثمّ بيّن سبحانه بأنّ من يوالي الكافرين فهو منافق ، ثمّ بيّن ما هو عذاب المنافقين يوم القيامة فقال :
145 – (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) اي في وسطها الذي هو موقد نارها وشدّة حرارتِها ، أمّا غيرهم فيكون عذابهم حولها لا في وسطها ، وذلك قوله تعالى في سورة مريم : {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} ، وبعضهم يُعرَضون عليها ، وذلك قوله تعالى في سورة غافر {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ، (وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) أي لا تجد لهم ناصراً ينصرهم ويخلّصهم من عذاب الله . ثمّ استثنى من تاب من المنافقين فقال تعالى :
148 – (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ) من نفاقهم وذنوبهم (وَأَصْلَحُواْ) أعمالهم وضمائرهم (وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ) يعني ووثقوا به فجعلوه عوناً لهم في المهمّات وملجئاً من الآفات وأهلاً للعبادات (وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ) وتركوا الرياء والإشراك ، والمعنى جعلوا عبادتهم خالصةً لله لا يشركون يه أحداً من المخلوقين ولا يراؤون الناس ليقولوا عنهم أنّهم عابدون (فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) يحشرون وبالجنّة يتنعّمون (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) في الآخرة .
150 – دعا النبيّ أهل الكتاب إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأنكر الآخرون نبوّته وطلبوا منه المستحيلات فأنزل الله فيهم هذه الآيات (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ) يعني اليهود الذين كفروا بالله لأنّهم عبدوا العجل والبعليم وعشتاروث وغير ذلك من الأصنام . أمّا النصارى كفروا بالله أيضاً لأنّهم قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة ، وقالوا المسيح ابن الله ، وقال بعضهم المسيح هو الله1 ، فهذا كفرهم بالله (وَرُسُلِهِ) أمّا كفرهم برسله هو إنكارهم الرسالة وقولهم أنّ هؤلاء ليسوا رسلاً وإنّما هم أدعياء (وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ) بإنكارهم الرسالة (وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ) الأنبياء (وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) فاليهود يؤمنون بموسى وغيره من أنبياء بني إسرائيل ويكفرون بعيسى2 ومحمّد ، والنصارى يؤمنون بعيسى ومن جاء قبله من الرسل ويكفرون بِمحمّد (وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) أي يتّخذوا طريقاً إلى الضلال بأهوائهم .
-----------------------------------------------------
1 [حالة أنّ المسيح نفسه زجر بطرس وطرده لأنه قال عنه :إنّك المسيح ابن الله ولم يقبله إلاّ بعد شفاعة التلاميذ له ، وذلك بقول المسيح «ﭐذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ. أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا لِلَّهِ لَكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ» إنجيل متّى 16: 23 ويجب أن تكون ترجمتها «ﭐبتعِدْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ» فإنّها تصدق على بطرس القائل : «ﭐبْعدْ عنّي يَا سيّد فإنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ» إنجيل لوقا 5: 8 - المراجع ]
2 [وإنّ الذي أطلق عليه كناية ابن الله وغيرها ليس إلاّ الشيطان على لسان المجانين "اسْتَقْبَلَهُ مِنَ الْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ " راجع إنجيل مرقس 5: 2-7 ولذلك انتهر بطرس والتلاميذ .
6فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ 7صاح بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ابْنَ اللَّهِ الْعَلِيِّ!»
أن يقولوا له "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ 30 فانتهرهم" إنجيل مرقس 8: 29 و 30 - المراجع ]
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
للمرحوم محمد علي حسن
_______________________
وهنا انقل ما قاله بعض المفسرين في التفسير الميسر للتوضيح والمقارنة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ( 144 )
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه, لا توالوا الجاحدين لدين الله, وتتركوا موالاة المؤمنين ومودتهم. أتريدون بمودَّة أعدائكم أن تجعلوا لله تعالى عليكم حجة ظاهرة على عدم صدقكم في إيمانكم؟
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ( 145 )
إن المنافقين في أسفل منازل النار يوم القيامة, ولن تجد لهم - أيها الرسول- ناصرًا يدفع عنهم سوء هذا المصير.
إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ( 146 )
إلا الذين رجعوا إلى الله تعالى وتابوا إليه, وأصلحوا ما أفسدوا من أحوالهم باطنًا وظاهرًا, ووالوا عباده المؤمنين, واستمسكوا بدين الله, وأخلصوا له سبحانه, فأولئك مع المؤمنين في الدنيا والآخرة, وسوف يعطي الله المؤمنين ثوابًا عظيمً
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا ( 150 )
إن الذين يكفرون بالله ورسله من اليهود والنصارى, ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله بأن يؤمنوا بالله ويكذبوا رسله الذين أرسلهم إلى خلقه, أو يعترفوا بصدق بعض الرسل دون بعض, ويزعموا أنَّ بعضهم افتروا على ربِّهم, ويريدون أن يتخذوا طريقًا إلى الضلالة التي أحدثوها والبدعة التي ابتدعوها.
__________________