النيازك تسير نحو الشمس والسماء تضطرب
قلنا فيما سبق أنّ جاذبية الأرض ناتجة عن الحرارة التي في جوفها ، وأنّ هذه الحرارة ستنتهي ، فحينئذٍ تنفصل النيازك والشهب عن جاذبيّتها وكذلك القمر ، فإذا انفصلت النيازك عن جاذبية الأرض فإنّ الشمس تجذبهنّ إليها كما تجذب القمر . قال الله تعالى في سورة الكهف{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا}، قلنا فيما سبق أنّ لفظة "جبال" يريد بِها النيازك ، فقوله تعالى{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} أي نسيّر النيازك نحو الشمس .
وقال تعالى في سورة النبأ{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} وأصلها {أسراباً} ، والمعنى : في ذلك اليوم تسير النيازك نحو الشمس أسراباً كأسراب القَطى . وقال تعالى في سورة التكوير{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} والمعنى : سيّرت النيازك نحو الشمس ، وقال تعالى في سورة الطور{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا . وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} والمعنى: تسير النيازك نحو الشمس .
السماء تضطرب
قلنا فيما سبق أنّ سبع طبقات غازية تعلو الأرض ، وأنّ الأرض سوف تقف عن الحركة عند انتهاء الحرارة التي في جوفها ، فإذا كان ذلك فحينئذٍ يختلّ النظام فيسكن كلّ متحرّك مجذوب للأرض ويتحرّك كلّ ساكن لَها ، ولَمّا كانت الطبقات الغازية ساكنة اليوم لا تضطرب ، فمن الواجب أن تضطرب في ذلك اليوم ويموج بعضها في بعض ، لأنّ الأرض تقترب من الشمس، فوقوف الأرض وحرارة الشمس يقلبان نظام تلك الطبقات الغازية ، فتأخذ حينئذٍ في الاضطراب ويموج بعضها في بعض ، حتّى تختلط مع الهواء فتمرض الناس من تلك الغازات وتختنق فيموت كثير منهم بسببها .
قال الله تعالى في سورة الطور{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا . وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} فالمَور هو الاضطراب بذهاب وإياب ، ومن ذلك قول زهير :
فَتُجمَع أَيْمُنٌ منّا ومنكمْ بِمقسمةٍ تمورُ بها الدماءُ
يعني تموج بِها الدماء ، وقال طرفة بن العبد يصف ناقته :
صُهابيّةُ العُثنونِ مُوجِدةُ القِرا بعيدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوّارةُ اليدِ
يعني تختلف يداها عند مشيتها لسرعتها ، وقال الفرزدق :
عفا المنازِلَ آخِرَ الأيّامِ قَطْرٌ وَمَوْرٌ وَاخْتِلافُ نَعامِ
يعني محا آثار المنازل مطرٌ واختلاف ماشية ، وقال الله تعالى في سورة الحج {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ، فقوله تعالى {إِلَّا بِإِذْنِهِ} هذا استثناء ، والمعنى : إلاّ قبل يوم القيامة فإنّها تقع على الأرض لأنّ الله تعالى يأذن لَها في ذلك ، و"السماء" يريد بِها الطبقات الغازية .