أتساق القمر. القمر ينشق نصفين
اتّساق القمر
قلنا فيما سبق أنّ القمر يدور حول الأرض وبسبب دورته يكون هلالاً ثمّ بدراً ثمّ يعود هلالاً ، وقلنا أنّ سبب دورانه ناتج عن دورة الأرض حول نفسها ، ومن المعلوم أنّها إذا وقفت عن الحركة عند انتهاء حرارة جوفِها فالقمر يقف أيضاً ، ويكون بدراً مدى الأيام ولا يعود هلالاً ، لأنّ وجهه المضيء يكون نحو الأرض ويبقى على ذلك زمناً يسيراً ثمّ ينجذب نحو الشمس ، لأنّ الأرض لا تنتهي حرارتها فجأةً بل بكون ذلك بالتدريج ، فإنّها تقف عن دورتِها قبل أن تنتهي حرارتها تماماً ، والحرارة القليلة التي تبقى في جوف الأرض كافية لجذب القمر .
إذاً يكون وقوف الأرض والقمر دفعة واحدة ، ولَمّا تنتهي حرارتها تماماً ينشقّ القمر فيكون نصفَين ؛ لأنّ تماسك الأجرام بالجاذبية ، ولَمّا كانت الشمس باقية بعد انشقاق القمر وهي جرم جاذب أخذت تجذب القمر إليها . فالقمر إذاً يقف عم دورته أوّلاً ثمّ ينشقّ ثمّ ينجذب نحو الشمس .
قال الله تعالى في سورة الانشقاق {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ . لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} فاتساق القمر هو إكمال دورته حتّى يكون بدراً ، ومن ذلك قول الخنساء :
والشمس كاسفةٌ لمهلكه وما اتسق القمر
يعني إنّ الشمس كاسفةٌ لفقد أخيها والقمر مظلمٌ لا ضياء فيه .
القمر ينشقّ نصفَين
قلنا أنّ كلّ جرم مجذوب إذا انفصل عن الجاذبية فإنّه يتهدّم إذا كان كبيراً أي يمزّق فيكون قطعاً كثيرة ، وينشقّ إذا كان صغيراً أي يكون نصفَين ، فالقمر مجذوب للأرض فإذا انفصل عن الجاذبية عند انتهاء حرارتِها فإنّه ينشقّ ويكون نصفَين ، فيبقى زمناً ثمّ تجذبه الشمس إليها ، وكذلك يكون حكم الأقمار في باقي السيارات .
قال الله تعالى في سورة القمر{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} وسبب نزول هذه الآية أنّ قريشاً قالت للنبيّ (ع) مستهزئةً : "إنْ كنت نبياً فشقّ القمر نصفَين فحينئذٍ نصدّقك" فنزلت هذه الآية :{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} أي دنت ساعة مماتِهم وسنعاقبهم على عنادهم واستهزائهم {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} أي انشقّ القمر من الأرض في الماضي يعني انفصل منها ، وسينشقّ عند اقتراب القيامة أيضاً . ثمّ قال تعالى بعدها{وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} والمعنى : ولو أنّا أريناهم اليوم إحدى الآيات من انشقاق القمر أو غيرها مِمّا طلبوه ورأوا ذلك بأعينِهم لَما صدّقوك يا محمّد لعنادهم بل لأعرضوا عنك ولقالوا سحرٌ مستمرّ . وهذا كقوله تعالى في سورة الأنعام{وَلَو أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ...الخ }
وقال تعالى في سورة القيامة {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ . وَخَسَفَ الْقَمَرُ . وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ . يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} ، فقوله تعالى {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} يعني إذا فَزِع البصر وتحيّر لِما يرى من علامات القيامة التي كان يكذّب بِها من قبل ، ومن ذلك قول الأعشى :
كذلكَ فافعلْ ما حَيِيتَ إلَيهِمُ وَأقدمْ إذا ما أعيُنُ الناسِ تَبْرُقُ
{وَخَسَفَ الْقَمَرُ} معناها وانشقّ القمر ، لأنّ الخسف هو النازلة التي تنزل بالإنسان فتذلّه وتهلكه ، أو تنزل بالدار فتهدمها ، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم :
إذا ما المَلْكُ سامَ الناس خَسفاً أبَيْنا أنْ نقرّ الذلَّ فينا
وقال عنترة :
خُسِفتُمْ جميعاً في بروجِ هبوطِكم جِهاراً كما كلُّ الكواكبِ تَنْكَبُّ
وقالت الخنساء :
لا يأخذُ الخَسْفَ في قومٍ فيُغضبَهمْ ولا تَراهُ إذا ما قامَ مَحدودا
ثمّ قال تعالى {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} لأنّ القمر إذا انفصل عن جاذبيّة الأرض أخذته الشمس إليها فيجتمع معها ، قال الله تعالى في سورة الشمس {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} ومعناه إذا لحقها وانجذب إليها . ومن ذلك قول حسّان بن ثابت يصف النجوم :
عوائر تترى من نجومٍ تخالُها مع الصبح تتلوها زواحفُ لعّبا