النفخ في الصور
سبق الكلام بأنّ الشمس تنتهي حياتها ويبرد وجهها، فإذا كان ذلك فإنّ الغازات التي تنبعث منها تبقى محبوسة في جوفِها لا سبيل لَها للخروج ، فإذا زادت الغازات وتراكمت في جوفها فحينئذٍ تضغط على الطبقة الباردة فتنفطر الشمس فتأخذ الغازات حينئذٍ في الخروج ، وبخروجِها يكون لَها صوتٌ عظيم ، كما أنّ القطار يصوّت إذا فتحوا له صنبور البخار ، فيستمرّ الصوت حتّى تخفّ وطأة الغازات المنبعثة من الجهة التي تلي ذلك الصدع فيكون الصوت قليلاً ، ثمّ تهجم الغازات التي في جوف الشمس نحو الصدع لتخرج منه لأنّها وجدت سبيلاً للخروج ، فيتوسّع الصدع بخروجَها ويكون لَها صوت أشدّ وأعظم من الأوّل ، ويستمرّ الصوت حتّى تنفجر الشمس وتتشقّق فتكون تسعة عشر قطعة ، ومن المعلوم أنّ هذا الحادث يجعل خللاً عظيماً في النظام ؛ لأنّ الشمس أمّ السيّارات وهي الجاذبة لَهنّ ، فإذا تشقّقت فإنّ جاذبيّتها تنفصل عن السيّارات فيسقطنَ في الفضاء ، فإذا كان ذلك فإنّ الأرض وباقي السيّارات تأخذ في الرجفة والزلزال ، ويأخذ أهلَها الفزع والخوف حتّى تتمزّق الأرض وتموت الناس فحينئذٍ يتركونَها وتعرج النفوس في الفضاء ذاهبةً إلى المحشر ولا يبقى أحد على وجهِها ، وكذلك باقي السيّارات فحالُهنّ كحال أهل الأرض .
قال الله تعالى في سورة فاطر {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ، فقوله تعالى {وَلَئِن زَالَتَا} يريد بذلك يوم القيامة ، والمعنى : ولئن زالتا يوم القيامة عن الجاذبية فهل أحد يمكنه أن يمسكها غير الله ، وإنّما قال {أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ} لأنّ السيّارات ولو أنّها تزول عن جاذبية الشمس وتتمزّق إلاّ أنّها لا تذهب ضحيّة الفضاء بل تكون نيازك وتنجذب نحو السيّارات الجديدة .
وقال تعالى في سورة النمل {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} فالصور هو الطبقة الباردة التي تتكوّن على وجه الشمس ، والنفخ يكون من جوفها وهي الغازات التي تنبعث من الصدع فهي تنفخ في الصور أي في القشرة الباردة التي تتكوّن للشمس ، وقوله تعالى {فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ} أي السماوات الغازيّة وهي مسكن الجنّ {وَمَن فِي الْأَرْضِ} فالأرض هنا يريد بِها كلّها ، والمعنى ففزع من في الطبقات الغازية ومن في السيّارات ، ثمّ استثنى سبحانه سكّان السماوات الأثيرية وهم الملائكة فقال {إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ، وَكُلٌّ} من الجنّ والإنس {أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} أي مطيعين منقادين . وإنّما جاء هنا ذكر السماوات الغازية قبل ذكر الأرض لأنّه يريد ذكر من فيهما وهو قوله تعالى {مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} فالسماوات الغازية تسكنها الجنّ ، وإنّما جاء ذكر الجنّ قبل الإنس لأنّه سبحانه خلق الجنّ قبل الإنس وذلك قوله تعالى في سورة الحجر {وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} .
وقال تعالى أيضاً في سورة الزمر {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} فقوله تعالى {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} يعني أصابتهم نار فماتوا ، والسماوات هنا يريد بِها الطبقات الغازية ، والأرض يريد بِها كلّها ، والمعنى : فصعق من في السماوات الغازية ومن في السيّارات ، ثمّ استثنى سبحانه عن الملائكة فقال {إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ} فهؤلاء لا تأخذهم الصاعقة {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} أي ينتظرون جزاء أعمالِهم ، والضمير في قوله {فَإِذَا هُم} يعود إلى النفوس ، والمعنى : فإذا نفوسهم قائمة عن الأجسام ينتظرون جزاء أعمالِهم ، ففي النفخة الأولى تفزع الناس ويُصعَقون ، وفي الثانية يموتون ويقومون للحساب والجزاء أي تقوم نفوسهم للحساب .
وقال تعالى في سورة الحاقّة {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ . وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} ، فقوله تعالى {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} لأنّ النفخ مستمرّ من الشمس فكأنّما النفختين هما واحدة لاتصال الأولى بالثانية . وقال تعالى في سورة المدثر {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ . فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} ، فالناقور يريد به الصور ، والصوت الذي يخرج منه يكون بواسطة نفخ الغازات فيه ، وأمّا قوله {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} أي تهدّمتا دفعة واحدة ، والمعنى : فتهدّمت السيّارات والجبال دفعة واحدة .
س 50 : يقول بعض الناس أنّ الصور هو(بوق) ينفخ فيه إسرافيل يوم القيامة فيكون له صوت عظيم فتسمعه الناس ويجتمعون حوله .
ج : أقول إنّ هذه أقوال لا صحّة لَها وقد نقلها المسلمون عن اليهود وليس للملائكة أبواق ينفخون بِها لأنّهم أثيريّون والمخلوقات الأثيرية لا يمكنها النفخ بالأبواق ، ثمّ لو أتينا بأكبر بوق موجود على الأرض ووضعناه في بغداد ونفخنا فيه فهل يسمعه أهل الموصل والبصرة ؟ الجواب : كلاّ ، ثانياً نترك البوق وسنأتي إلى شيء أعظم صوتاً من البوق وهو الرعد الذي يصمّ الآذان فإذا خرج صوت الرعد من بغداد فهل يسمعه من كان في الموصل أو البصرة ؟ الجواب : كلاّ ؛ إذاً كيف يسمع صوت البوق أهالي الكواكب السيّارة بأجمعها فيفزعون ويُصعَقون على أنّ صوت البوق أقلّ من صوت الرعد ، وقد قال الله تعالى{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ ...الخ} .